Khartoum Baloum 2/2




خرطوم بلوم في رؤية نجلاء التوم




الجزء الثاني


أعتقد أن نجلاء قد راهنت على افلات ممكن. بل أعتقد أنها أفلتت بالفعل لأنها استخدمت مطلق القول الشعري والجمل المتأبية على الشرح. وأصرت أن نأخذ نصها جميلاً أو لا نأخذه. ولكن أبو القدح لما (يلبد جوا قدحه) هل (مافي طريقة نسله؟)
وبالنظر لما أتت به نجلاء في مخاطبتها لناجي البدوي في زمان سابق فهي لا تملك أن تكون أقل من شاعرة. إذ أنها لا ترضى أن تكون، مثلاً، وليمة لأعشاب البحر أو أي خرابيط أخرى تقل عن أن يزدهي بها قمرٌ قادم!


 
ولعل كواسة التقية في العبارة الشعرية هي من أحدث وسائل الوقاية وربما تؤسس لاستباق قاتل وهنا بالضبط قد يبدو أن نجلاء التوم سيأتي يوم تستعمل فيه هذا الاستباق في ردها على أي عوارات محتملة. 
نجلاء الآن، تبدو مثل أنثى تمساح ماكرة عبرت وفي معيتها أغراض ابراهيم حسين والجابري وآخرين تدخرهم لتفقيسةٍ وشيكة لأحسن بيض يتخلق منه التهديد القادم لأفهام سكان بحر أبيض.
تدعونا الشاعرة الى "رحلة متحللة من كل غاية" رغم أن ما ينتظرنا في آخر الرحلة هو...هويتنا!
وهذه ربما كانت أقل وسائل البحث عن الذات تكلفة وللغرابة فإنني أؤيد هذا العثور السهل على الهوية وأثق في امكانية تحققه. 
فالشاعرة اذاً لا تتحدث عن العوارة كأداة يتوجب فهم كيفية استخدامها وربما لهذا لم تعبأ كثيراً بتعريفها وتعريفنا بها. فالعوارة ستكون هي الحالة التي ينبغي أن نتقمصها في رحلتنا الغنائية نحو الهوية وكل المطلوب هو أن نحصي قدر العوارة في منعرجات السمع بحيث ينبغي تذكيرنا لبعضنا بأننا في لحظة ما مواجهين بعوارة ولم يتركنا أحدٌ دون تبصيرنا بطرائق الوصول للهوية. وفي الحقيقة العوارة هي من لوازم الفعل الايجابي ولا نتطرق لها، عادةً، إلاّ حين نبدو مواجهين بتبعات أي أمر ترتب عنه صعود لأبخرة العوارة في سماء تفكيرنا. فالشيئ عوير لأنه يستدعي استجابة نعجز عن توفيرها وكذلك الشخوص العصيون على الفهم العادي ما هم إلاّ عورا. 
والحبيب الذي يتفانى في وصف حبه لمحبوبته في لحظة لا يكون هناك غيرهما يتلقى وصفاً لما يقول في عبارة : بطِّل العوارة بما فيها من التنبيه بخطورة أي خطوة يتخذها أبعد من العوارة وهي لحظة فكهة يكون فيها ما تُحجم عنه عوارة بينما هو في الواقع ما تتمناه أنت وهي. والمفتون بالفيزياء ومجيد فيها يقال عليه (لامِن عوير)، وكذلك الندوة الممتازة التي اهرق فيها المتحدثون تلك الأحبار التي قرأوها هي بلاشك ندوة عويرة. 
وان عدنا للجابري نجد أن الأمثلة التي طرحتها الشاعرة هي من العوارات الضئيلة لهذا الفنان، لأنه كان يرفل في أبهى حلل عواراته في مجالسه الخاصة، وفيما هو غير ذلك فإنه غنى أغنية مصرية تماماً (عطشان يا صبايا) وأين؟ غناها للمصريين أنفسهم ولا أدري ما هي الكلمة المصرية المرادفة معنىً لكلمة عوارة السودانية!
إن الشاعرة كما أسلفنا لم تحفل بتعريف لمفهوم العوارة في نصها ورغم ذلك تمضي، بآليات غير مفصح عنها، نحو تعقيدات كثيرة متعلقة بعوارات فتحل عقدتها زي الورد ولذا لا يغدو لدينا من الوقت ما يمكن أن نضيعه في العوارة في تجريدها الفلسفي! 
على أن نهج العوارة نفسه ما هو الاّ تخفيف وتلطّف على الأفهام من أن تزدريها العبارةـ أي عبارة- ولئن صار ذلك بين يدي شاعرة فإن أحسن الطرق هو أن نقبل بصياغات الشاعرة. 
ولكن ماذا عن قول نجلاء التوم أن "... الشعر المعترف به لا يقر بالعوارة"؟
إن الأمر في غاية البساطة. هل يمكن أن يطلع علينا شاعر ليؤكد وجود عوارة في شعره؟ إن هذا التعبير لا يعدو أن يكون ذكاءً اضافياً من الشاعرة يرجع على أثره بعض الشعراء وهم يسبّحون بحمده أن لم يصنّف شعرهم كعوارة. ومن المثير الآن تخيّل انفتاح الطريق أمام قياس لكل الأشياء بمقياس العوارة. إذ يبدو أن حضارة جديدة بأكملها تنتظرنا!


الى الجزء الثالث

Comments

Popular posts from this blog

سؤال الضهبان

MovieGlobe: Japan's Version of Romeo and Juliet

الواقعية المفرطة Hyperreality