كومباكت


نص قصصي

كومباكت





كيف تنعمل اجازة كومباكت؟ 
لدي أيام لابد أن أستعملها. بمجرد أن أخذت الإجازة صارت الأشياء سائلة وصنعت لنفسها جداول ودروب. ما مِن موضوع واحد، كنت أنتظر له الإجازة، مدّ رأسه! 

الغناء الذي قلت، أضايرو، بهنا وهناك ثم أسمعه حتى ينهري، زاغ مني، في اليوتيوب، مثل زوغان سمك الصير من شباك قديمة. 
اجازة يصعب الامساك بها. وهو ذاته، فكرة إجازة كومباكت، من أين جاءت؟ 
لست أدري.
أغلقت باب الغرفة من الخارج وعدت لها من شباكها الضيّق ولحظتها جاءني، على خفيف، معنى إجازة كومباكت، بالله لغاية ما سلخت يدي مكان الكوع الّذي لا أعرف كيف ألحسه.
طيب، كل شئ، موجود داخل الغرفة، له صلة بالإجازة، لكن الغرفة نفسها تحتاج تدعيم، لأن الأشياء في سيولتها، كما تعلم، لا أحد يدري ما يخبئه لك كتابٌ أو سي دي أو، ربما يخرج من اطاره وطوره، ذلك الشيخ في الصورة، الذي وقع عليّ وقعاً غريباً، كشئ غير مؤكد، أنه أحد أعمامي من ماضٍ سحيق. 
أشياء الغرفة، فيما بدا لي، هي التي ستتولى مسألة أن الأمر كله سيكون كومباكت. فهنا كتاب صعب، وآخر أصعب منه هناك، كما أنني عادة لا أحرّك هذا الكتاب المرجعي الضخم، لأنه يحاول أن يشرح لي أشياء، أدركها بأحسن منه. إنه الآن، وبشكل مريب، في غير موضعه، وأنا لم أحرّكه، وهو كومباكت رغم ضخامته. الدبّابة كذلك. ليس في غرفتي دبابة، ولكن الدبّابة تعتبر كومباكت. وهناك تلك المصفّحات الغريبة التي كانت تطلع عادةً عند انفضاض المظاهرة. هي الأخرى كومباكت ولكن كانت تصيبني بحنين غريب، ربما لظلها الكومباكت، لو سمح لي الجنود بالدخول فيها هرباً من الحر. المعجم الضخم، بجانبه يرقد كاسيت قديم أعرف محتوياته، ولكنه توقف عن البث مع احتفاظه بشكله الموغل في الكمبتة. سبعة أشياء أخرى لا تشتغل، بالمناسبة، ولكنها قاعدة معززة مكرمة، ربما في انتظار حريقٍ أجنبي يأخذها، فأنا لا أحرق الكتبَ ولا الكاسيت ولا أوراق النصوص المعتتة، رغم أنني أعتقد أن أي كاتب يحتفظ ب أو يلجأ لنصوصٍ كان قد كرفسها ولعنها ورماها بعيداً، ولكن ليس بالضبط في سلة القمامة، هذا الكاتب التائب إلى نصه، أعتقد أنه كاتب دنئ وقد يكون فاشلاً. 
قررت أن ألملم أطراف الإجازة بعد أن تيقنت وطمأنت نفسي أنها:
- شأن داخلي،؟ 
- أو حالة وجودية،؟ 
- لا، ليس لهذا القدر. 
- طيب، هي حالة انسانية،؟ 
- لا دي شكلها كارثي ومدر للعطف.
- طيب، هي حالة وأنساني. 
مؤكد أنني طمأنت نفسي على شئ.
إن من أوغر صدري بفكرة إجازة كومباكت لا يمكن الوصول إليه إلاّ بخرق إحداثيات الأبعاد الوجودية. إنه شخصٌ يتراءى من وراء فكرة أو ربما كان من الخارجين من الأحلام الذين وصفهم مقدم البرنامج بالأمس على الراديو. ومن الغباء أن تتخذ لبرنامج إذاعي مادة تتحدث عن مستويات وجودية مختلفة لأن ذلك يحتاج لشرح ولغة جسد، ليس فقط صوت يهرف بما لا يعرف. من ناحية أخرى، أعتقد أن كومباكتية الإجازه، كفكرة، اشترك في صياغتها ذلك الصحابي، الذي تم إعفاؤه من الجهاد، في واحدة من خناقات الدعوة المحمدية. أذكر أنني تركت القصة كلها، وكان فيها محمدٌ (ص)، الذي تقدم هو وصحبه نحو الجهاد، بينما أقفل ذلك الرجل راجعاً. و بتلقائية شديدة رجعتُ معه، ومشيتُ وراءه، لأنه، أي معركة أمشي لها أنا؟ 
المهم هذا الزول، بعد أن كان مجرد شخص تم استثناؤه من قتال الكفار، هو تاريخيٌ وسابقة، وربما أضمر رؤيةً مختصرة وسلبية للدعوة نفسها. وهو، على أي حالٍ وكما أسلفت، سابقةٌ في الأُذونات. لقد كان سهلاً ومفيداً توفيره من الموت بالنظر لأن الموت كان حادثاً كبيراً في تلك الأيام، وكان مراحل، رغم انطوائها على اجراءاتها. مراحل منتهيةٌ بشهقةٍ واجبة، وكانت تتم بطريقة محكمة وبكيفية ما مصمّتة.
كانت أشياءُ الغرفة تتشكل كنموذج للفوضى ولربما تحوّلت إلى ثقبٍ أسود مدلّهِم تخرج منه ذكرياتٌ لا يطرب لها أحد. إنها الآن، شئٌ ملفوفٌ على نفسه، يخدش الحوائطَ، ومدببٌ وماضٍ!
الآن فقط بدأت أتبين ملامح الإجازة الكومباكت.


Comments

Popular posts from this blog

سؤال الضهبان

MovieGlobe: Japan's Version of Romeo and Juliet

الواقعية المفرطة Hyperreality