جليد نساي - 3/3
جليد نساي (3/3)
قراءة في رواية الرجل الخراب
عبد العزيز بركة ساكن
الجزء الثالث
مصطفى مدثر
مصطفى مدثر
سنتناول في هذا الجزء مسألة استلهام ساكن للهدمية الطاغية في قصيدة إليوت وأنه، أي ساكن، لم يشأ لهدمه نهاية أو حل. وكذلك نتناول مسألة البلبلة التي يحدثها استلهامه الآخر المتمثل في تبديل اسم الرواية، ونقترح سبباً لإختيار ساكن أن يكون درويش طبيباً صيدلانياً، كما نناقش التجريب في الرواية وأزمة النهاية. فإلى الجزء الأخير من المقال.
أبدأ ببعض الأفكار حول اسم الرواية.
إن الإرث الدلالي لكلمة الخراب في عنوان الرواية يبدو كافياً لقبول اسمها، الرجل الخراب، ولكن عندما نعرف من الرواية أن اسمها الحالي كان قد خضع لعملية تغيير مرتين فإننا نرى أن توسيع دائرة الفحص الدلالي قد يعيننا إلى فهم أحسن للأصول الابداعية للرواية. فاسم الرواية تحوّل تحوّلاً محكياً عنه من أزهار الليل إلى مُخرّي الكلاب واستقر عند الرجل الخراب. وقصيدة اليوت نفسها تحوّل اسمها، ربما مرة واحدة، ليستقر على الأرض الخراب. وهذا استلهام آخر للقصيدة نرصده هنا ولا ندعي الحصر.
إن المقصود هنا أن هنالك تعارضاً في دلالة الخراب في الاسمين. فبغض النظر عن كون القصيدة تعد من أكبر محاولات الإبتعاد عن التناول المباشر للأشياء أدبياً، وأنها مستودعٌ هائلٌ للإحالات ومجمل قولها هو الشكوى عن عقم حياة المدينة المعاصرة، فإن دلالات الخراب فيها تتعلق بالنظرة للحياة والحضارة وتذهب بها للدعوة للعودة إلى تجدد الميلاد من خلال الروحانيات. بينما الرجل الخراب، هو كائن ذو عقل بشري محدود غير متسق مع مرجعيته الفكرية وأفعاله مجرد إذعان لإملاء الظروف، فهو بالتالي لا يمكن الوصول إليه عبر مشتركات تحققها شخصيته. فالمشكلة إزاء درويش هي قلة الداتا، في الرواية، التي تؤيد الزعم بأن شخصيته من التعقيد المعرفي بحيث يتمثل ذهنه دقائق التحوّل الذي استوجبه عليه بحثه عن حياة أحسن، في عالم مختلف. وهذا الزعم ليس مصدره المؤلف، الحقيقي أو الضمني، بل على العكس لقد حرص المؤلف على الحديث عن قلة ثقافة درويش وعن شح علاقته بالكتاب رغم أنه خريج جامعي. فأظنني أكون قد وقعت على أول نقيض للاستلهام من القصيدة، إن أنا أحسنت تبيانه.
في الفصل الأخير من الرواية، يقوم درويش بفحص أصدقائه، بعد أن خرج من بيته تاركاً زوجه وابنته مع صديق الابنة، بحثاً عن العون. ويقدم لنا المؤلف ملامح سردية لعلاقات درويش بهؤلاء الأصدقاء نرى فيها وجهاً من أوجه التعاطي الثقافي مع الآخرين. فهناك علاقة درويش براهبٍ مسيحي وبمثقفٍ كردي وصيدلي نمساوي. لكن هذه العلاقات لا تبدو كافية لكي تتجذر علاقة درويش بالثقافة لمستوى التعالق مع نص في صعوبة نص قصيدة إليوت، ولعل ضحالة أو سطحية تلك العلاقات هي التي جعلته يعدل عن أن يطلب عونهم حين حمي وطيس أزمته. ومن المفيد أن نعرف أن درويش لم يقع على أدب غربي إلاّ سماعاً من زوجته نورا وأن نورا التي تحب الأدب لم تكن تعرف قصيدة إليوت التي طلب هو منها أن تقرأها له ولم تحبها. في الحقيقة حرص المؤلف منذ بدايات الرواية على تأكيد رقة حال درويش الثقافية بتلخيص علاقته في بعض عناوين الكتب العربية حين كان في مصر و كتابين، أحدهما مرجع في الصيدلة والآخر مصحف قرآن صغير الحجم، في اوربا، ثم نقرأ لدرويش قوله "أحياناً كنت أظن أن القدر جمعني بنورا من أجل ت س إليوت" لكن هذه المعرفة الجديدة وفي سنه العمرية المرصودة في الرواية تبدو مبتعدة نوعاً عن التخييل الواقعي mimesis . وإذا استطردنا في تأصيل علاقة درويش بالثقافة فإننا نلاحظ أشياء هامة اعتمدها ساكن في رسم شخصية درويش. فدرويش شخصية مصطنعة بشكل يفي بمقتضيات الأثر الدرامي الأعظم، شخص لا تملك إلاّ الصغار والشجب تجاهه قبل أن تأخذك القراءة بعيداً في الرواية. شخص يمكن التكهن بكل ما يقوم به لكنه يمكن أن لا يقوم بأي شيء. فهو لا بطل، وصعب ومعقّد ومؤلم، وقصته تراجيديا من صنع يديه. ودرويش سوداني، مصري، أي كائن مزدوج في حيرته الثقافية. ثم هو صيدلي، أي منتم لقطاع يندر أن تضطره ضائقة اقتصادية لنوع الهجرة التي تكبدها، ولعله مناسباً أن أضيف هنا استلهاماً قد لا تبدو أهميته للوهلة الأولى ولكنه يستحق التوقف عنده. إنه اختيار أن يكون درويش صيدلياً. فعلى الرغم من عدم أهمية أن يكون لدرويش مهنة، لأنه لم يمارسها إلاّ في لحظة باكرة من الرواية، فإن هذا الاختيار قد يقع في صميم وفاء ساكن لفكرة استلهام قصيدة إليوت. فالصيدلي، أو الكيميائي، هو مَن نصح إحدى شخصيات إليوت في القصيدة بأخذ أقراص للاجهاض، لكنها بعد أن فعلت لم تعد لنفسها طبيعتها.
The chemist said it would be alright, but I’ve never been the same.
وعلى كلٍ، فالصيدليان في العملين يبدوان فاشلين في مهنتهما. ومن ما أبانه المؤلف أن درويش تعرض لنفس الذي يتعرض له الأشخاص الذين لا تحرسهم ثقافة حقيقية فتم تجنيده من قبل أهل الوعي الزائف أو الجماعات المتطرفة. والرواية تحتوي على فصل كامل بعنوان الأجنبي يحكي مشكلة الهوية التي تعرض لها درويش في مصر، كون أبيه سوداني وأمه مصرية ولكن لا شيء يغير من حقيقة أن هجرته أُعتبرت اقتصادية ولا علاقة لها باضطهاد عرقي، أو باختصار، "المحققون يحبون الكذبات الكبيرة" ودرويش لم تكن عنده إحداهن. ومن المناسب هنا أن أتطرق لنبيطة مصر في هذه الرواية. وكنت قد أبنت في مقالين سابقين أن وجود مصر في الروايات السودانية، الصادرة في عقدين أو أكثر، بات مما يمكن التكهن به في أي رواية جديدة تصدر. ولا غرابة في ذلك لأن مصر، لأثرها وموقعها، لا يمكن تجاهلها. وما رميت إليه من استحداث نبيطة أدبية، اسميها الآن لأول مرة نبيطة مصر، هو خلق معرفة ودراسة لهذا الأمر وآثاره أو مجرد الاستمتاع برصده. والنبيطة هي ترجمة لكلمة device. ومجرد ذكر مصر فإن نبضاً ومشهديةً عالية تعتري العمل الروائي. ومن آثار الاستخدام المجدي لنبيطة مصر تلك الحبكة التحتانية subplot التي تحكي قصة البوروندية ناديا صوميل، فهي حبكة جميلة وتشير إلى انفتاح أفق المصير إن أحسن المرء في إقدامه على الحياة وتتناقض تماماً مع انغلاق الأفق الذي يعاني منه درويش.
ع ب ساكن
إن فكرة الأرض الخراب، في القصيدة، هي فكرة صوفية أو هي دعوة ل" ادراك الحقيقة من خلال رموز الموجودات". أن الأرض التي خُربت كانت أساساً للخوف والضعة، وما موتها إلاّ بشير بانبعاثها في برزخ أبدي مشرق، وفق املاءٍ لفظي imperative أحادي هو Da والذي يأتي صداه ثلاثي اللفظ، داعياً للعطاء والرحمة وضبط النفس. وهذه الألفاظ تمتاز بها الهندوسية وديانات شرقية أخرى أخذها إليوت منها وضمّنها في قسم قصيدته الأخير، ما قاله الرعد. ولعل في عبارة إليوت في مقام آخر "أن الشعر فن لا شخصي، لذلك يجب أن يحدث انفصال كامل في داخل الفنان بين الإنسان الذي يعاني وبين الإنسان المبدع الذي يخلق" ما يعزز نظرته الصوفية. فلقد وضع إليوت، في قصيدته الارض الخراب، حداً للهدم الذي أحدثته الحرب وعواقبها، لكنّ ساكن استعاض عن فكرة الأمر الثلاثي الهندوسية بفكرة النهاية الثلاثية لروايته. فدرويش عمد إلى تخريب حياته بلا توقف، وبملمح صوفي حلاجي، وإن ترتب على ضيق أفقه وانكاره لحقائق الحياة المعاصرة، وإلى حد الإفناء. فنورا زوجه تقول في شهادتها في آخر الرواية "..ربما انطلاقاً من تلك الفكرة بالذات، هو الذي وضع خطة موته- كما اكتشفنا لاحقاً- وهو الذي كتب رسالة تقول إنه ينوي الانتحار، وعليها بصمات أصابعه وتوقيعه.." بينما كان الحلاج يقول "أريد أن أقتل هذه الملعونة" مشيراً إلى نفسه.
والنهاية التي اقترحها المؤلف وأقلع عنها قبل أن يذعن لنهاية تكتبها ثلاث شخصيات في الرواية، أو أي نهاية شبيهة بها، في تقديري، ربما هي أكثر النهايات ملاءمة. وهنا شاهد على الاستلهام في فكرة النهاية الثلاثية يتبعه مباشرة نقيض للاستلهام في دوام فكرة الهدم حتى نهاية الرواية. نقرأ ما كتبه ساكن عن النهاية التي لم يعتمدها "فكانت خطتي لإنهاء الرواية.." وهذا الاقتباس، للمناسبة، هو من صلب الرواية نفسها…"تذهب إلى عودة درويش إلى مصر أو السودان مرة أخرى، هارباً بابنته ميمي من جحيم الفساد الأخلاقي والقيمي الاوربي.."
لقد قلت مسبقاً أن أحداث الرواية تبدو عادية ما خلا بعض اشراقات الحكي ولذلك فإن المؤلف، وهو لا شك ضليع في فنه، قد اعتمد على الإشتغال على مستوى طرائق السرد أو الإنتقال من الذي يُحكى إلى كيف يُحكى. وجاء أول ذلك في مطلع الرواية حيث يضعنا المؤلف أمام الأزمة مباشرة، تماماً كما تبدأ الكثير من القصص القصيرة. ثم ينتقل من زمن لآخر عبر استرجاعات عدة، وحشايا سردية، ومشاهد، ويعمل كل ذلك فعل السحر في القارئ. ولكن المؤلف يخوض، على مرأى منا، معركة غرائبية، يتم فيها إقصاء الراوي عن مهامه، وذلك لأن الراوي "شاء أن يهتم بحدثٍ تافه عابر وقع بينما كان درويش في طريق عودته لسلفالدن بقطار الرابعة والدقيقة الثامنة بعد الظهر." وينبغي علينا إدراك أن ما يزيد من غرابة هذه المعركة هو أن أطرافها ثلاثة وأن اثنين منهم محض خيال. فنحن إزاء المؤلف ع ب ساكن والمؤلف المفهوم ضمناً، وهو الكائن المتخيّل implied author والذي نعرف أنه كاتب النص ولكن لا دليل على أنه هو المؤلف بعينه، ثم الراوي الذي لا وجود له كشخصية في الرواية. وفي حيثيات حكمه على الراوي يورد المؤلف أن ما انتواه الراوي كان "سيورط النص الأدبي في ما يسميه بعض النقاد الكلاسيكيين الحرفيين: الخروج المريع وغير المبرر فنياً عن الخط العام للتحقق السردي.." ويستطرد المؤلف في رواية مشكلات سابقة له مع رواة آخرين، مثل ما حدث في روايته الخندريس حيث "عندما رغب الراوي في تحويل الرواية إلى مغامرة بوليسية، ولم يعجبني ذلك، وقمت حينها بتولي قيادة السرد بإسمي الشخصي في فصل بأكمله. كان الأمر مخجلاً بالنسبة لي ومرهقاً، أن أكون مؤلفاً وراوياً." ومبلغ علمنا أن الأكثر عرضة لعبء السخرية في هذه الحالة هو الراوي. لكن الراوي ليس شخصية حقيقية. ولئن كانت خناقة ساكن مع الراوي كبيرة، فإنها لا ينبغي أن تجعلنا ننسى أن ساكن أوكل لراوٍ غير مضمون، هو درويش نفسه، أن يحكي فصلاً هاماً بعنوان سيرة المرأة. فدرويش غير مضمون unreliable بشهادة المؤلف نفسه. وبالطبع فإن الروائي المتمرس مثل ساكن يمكن أن يأتي بأشياء عجبا. وأنا أعرف، مثلاً، رواية موت العراب، التي قام فيها المؤلف بالاطاحة ببطل الرواية بعد أن تعوّدنا عليه ونصب محله إبن بطل الرواية كبطل جديد لتلك الرواية.
إن الاشتغال على السرد والتجريب في العمل الروائي هو أمر لا يتوقف ولكن يبدو أن مشكلة انهاء الرواية أو جعلها ذات نهايات متعددة، على الرغم من كونها نصاً مغلقاً يمكن فهمه وفق أعراف وتوقعات مألوفة راجع الفقرة الأخيرة، أو ختمها بطرد الوقائع بكيفية تجعلها تتبدد في ناحية من الغلاف الداخلي الأخير. كل هذه ليست أموراً وشيكة الحسم لأن الناس، بحسب نقاد كثيرين، يؤولون العالم وفق البدايات والنهايات، أي حسب مبدأ الغائية. وكما ذهبت مدرسة شومسكي للقول بوجود جين لغوي فإنه ربما طلع علينا أحدهم بجين للختام. فكلنا نعشق النهايات وقد نرى فيها بدايات جديدة. وهذا يعني أننا لا زلنا نثمن عالياً التوقعات التي بنتها فينا الطرائق والتقاليد الروائية، وأنه لا زال هناك الأدب المعياري canonical الذي يحظى بسمعة طيبة، كلٌ في حيزه أو إقليمه أو يسهل الإجماع حوله. وفي المعياري يقف منتصباً، لا زال، إطار أرسطو المعروف ليردم الهوة بين ما حدث وما يراد له أن يحدث. إن النهاية التي لم يعتمدها ع ب ساكن هي التي تستجيب لتعاطف القارئ و" تصعد بحزنه لتفجّره، فتخلي نفسه من أحزانها المصيرية."، أي تولّد فيه عاطفة تفعل فعل الدواء الملطف للمزاج cathartic دون أن نغفل أن الذي يبكينا أكثر قد لا يكون أدباً جيداً. ونظرية أرسطو رغم تعرضها للنقد المرير من أعلام مثل جورج أورويل، سولزنتسن وبرتولد بريخت وغيرهم إلاّ أنها لا تزال حيوية. وكلمة cathartic تعني في الأصل مليّن، لكنها تعني أيضاً ما يسبب الانعتاق الشعوري.
إذاً، وفي تقديري، فإن أزمة نهاية الرواية هي ما حمل ساكن على هذا النشاط المحموم والعالي المهنية والذي لم يكن بلا آثار جانبية، سواء على مستوى الفكر كأحد عناصر الحبكة، أم عن اللحظات غير الخيالية اقرأها غير الروائية، أم على مستوى استجابة القارئ.
تأتي في بنية الرواية خصيصة التعقيد الفكري، ما استقام من فكر وما انجلى. ما كان ينبغي لدرويش أن يتعلمه من أزمته لأنه "أفكاره أيضاً حدث فيها بعض التغيير الذي يصفه بالايجابي، لأنه ما عاد يرى البشر إما كفاراً أو مسلمين" وأن فكرة قبوله بالمجتمع الأوربي، الجديد عليه، لم تكن صعبة، وان تدخل فيها البوليس أحياناً، بالنظر لامتيازاتها. إن موضوعة الهوية وكراهية الآخر والحريات لم تحظ بشرح كاف ولا عجب فالرواية قصيرة، شاء لها كاتبها أن لا تسع صراعاً فكرياً، كان يمكن أن يتم من خلال وسائط حكائية أو حوارات عميقة تسمح للقارئ باستدعاء مصائر أخرى مغايرة. وتأتي هذه الخاطرة كأمنية بأن تكون سردياتنا الكبرى هي التي تضع على المحك وتناقش الأسئلة التي لا بد من جوابها قبل أن نصير أمة.
لقد مرت بالرواية لحظات nonfictional إنوجدت فيها شخوص واقعية حيّة داخل بنية الرواية. أشخاص أحياء عند ربهم يرزقون. لا بأس، هنالك أيضاً في الشعر، مثلاً، لحظات غير شعرية. لكن هذه اللحظات قد تغدو مصدراً لانزعاج القارئ فمثلاً ومنذ بداية الفصل المسمى درويش يحس القارئ بوجود راو آخر، غير معرّف، يبدو أنه الراوي الضمني أو هو المؤلف، فهنا تحدث بلبلة، بمعناها العادي وليس الفني. ثم تمضي الرواية لنقرأ: "الراوي أصر اصراراً بالغاً على وضع النقاط على الحروف… على كل سأحكيه هنا بشيء من التحفظ لا بأس به، أي بالقدر الذي لا يقلل من قيمة العمل الفني أو يخلق ارتباكاً لدى القارئ." ويتدخل هذا الصوت الذي لا نملك دليل على أنه المؤلف نفسه ليقول: "فمن غرائب الأحوال أن هذا الراوي لا يحب الحوارات." إلى أن نقرأ: "قد يتوقع القارئ الكريم...أن الرواية منذ هذه اللحظة سوف تمضي في ثلاثة محاور…" ونحن نعرف وعي المؤلف بهذا الأمر بل هو قد صدّر روايته ببيت الشعر المأخوذ من بودلير، أيها القارئ المرائي يا شبيهي يا أخي، ثم قال عنه "أما القارئ المرائي المغامر الصعلوك..فقد يكون له رأي آخر. لا ندري ما هو بصورة قاطعة." فيبدو أن القارئ مستهدفٌ بالنشاط التجريبي الذي قام به المؤلف وأنه إما أن يكون محباً للأدب أو قارئاً متمرساً، سيجد متعة في الأجزاء الأخيرة من الرواية التي تشبه ورشة عمل حول طرائق كتابة الرواية، أو يكون مستهلكاً عابراً، سيجد أن نفس هذه الأجزاء المذكورة تحكي عن أزمة في كيفية انهاء الرواية وحسب. ومن زاوية نظرية استجابة القارئ reader response في تصريفها الفرنسي عند رولان بارث يمكن أن تنتقل المسألة لأزمة في هوية الرواية نفسها، هل هي نص قارئي readerly، مغلق، يجود على القارئ بفهم واحد. أم هي نص كاتبي writerly، مفتوح، يمكنك انهاؤه كيف تشاء.
ختاماً، طابت لي، بحق، قراءة هذه الرواية لما يميزها من سيولة في اللغة ولما فيها من جهد الكاتب العارف بأدواته وموظفٍ لها بحكمة واقتصاد، وما كتبت هذا إلاّ ملتزماً بطريقتي في أن أعبر حيثما وسعني التعبير.
شكرا
ReplyDelete