رجل آخر


رجل آخر
-----------

ضوء أقلَ وعتمة أثيرة.
سريرٌ بحشايا وافرة، وَهَطٌ لإرخاء العضل وضجعةٌ لتطول.
غرفة مسكونة بصليل هامس يتطفل عليه، حيناً، إرعاد مبتعد في شارع قريب.
عقلي ساكن إلاّ من اشتجار الصور فيه. أفكار كبيرة تراوح مفسحة بأريحية غير متوقعة لأفكار أخرى ضيئلة تطل برؤوسٍ معربدة.
ليس غريباً أي شيئ. المهم أن ذلك الخمار الحاسم لا شك سينسدل بغتةَ على كل شيئ. ستنطفئ جذوة الصحو وتتبدد الصور ليكمل عقلي ترتيب فوضاه. وربما ليس هناك ترتيبٌ لفوضى لأن هناك ما يُسمى بالأحلام. فوضى أخرى من الإختلاقات والفبركات المريعة.الآن وقد ذهب الرهق عليّ أن ألهو على أعتابٍ مائعة. أود أن أعرب للأفكار الكبيرة عن أسفي. أنت لست حريصة على التناول الرصين وذلك لإنحنائك المتكرر لصورٍ بالغة الغموض تترى على نسيجك وأخرى جلية، لكنها مسرعة عجولة. يقف السؤالُ عن المصير ليمرق من جنبه شبحٌ عسير التكهن. أظنه شبح أمرأة، لأن فيه تفصيلةٌ ما مثيرة وعابرة. يخرج بغتةً خطأ نهاري أو حرجٌ مجلجل، من أفقٍ يخصه ليحل مكانه مشهدٌ مروّع غير مكتمل ولا سبيل للتحقق من حدوثه الفعلي في أي وقت مضى. ثم يبدأ اصطفافٌ للهموم مرتبكٌ بصور لا صلة لها به. وهي صور جميلة أحياناً لكنها عصية على الإبقاء وبعضها وضيع الأثر، قصير العمر كشكة دبوس. أحياناً أرى أن هذا الظهور العبثي للأفكار الكبيرة متخللةً بصور من سياقات أخرى ربما كان إيذاناً بوقت يلهو فيه الجميع. وقت تتحلل فيه الأفكار الجادة من كل شيئ جاد وتنزل لتلعب مع الأفكار الوضيعة في ساح واحد وعلى توقع أن ينسدل الستار في لحظة يبدأ فيها طور من المخاشنة. وهذا الطور لا أحضره أنا عادةً. وكم من مرة صحوت غاضباً لأن أحلامي بدت موحية بأن شيئاً مثيراً حدث في ذلك الجزء الذي لا أحضره. ورغم ذلك فإن أحلامي لا تفقد رغبتها في قول شيئ على سبيل الثرثرة اليومية. فهي وفي يدها ذلك الخطاب الأول والأخير تطفو في الحلم بهيئة تشبه الصورة الفوتوغرافية. ذلك الخطاب العجيب الذي كتبت فيها أنها غير متأكدة من أنني كاتب الخطاب الذي ترد عليه، إذ أنني لم أكن قد مهرته، ولكنها برغم ذلك تحبني كما أحبها. وكان هذا منطق انسانة في الصحو المذل حيث الحب رهين بالإمكان، أحياناً. ولكن دعنا منها، فإن أغلب بدايات أحلامي تبدو هي واقفة فيها أمامي، بنفس سكون الصور، وأبدو أنا منشغلاً بطي خطابها ما يعني أنني فرغت من قراءته. وكلما احكمت طي الخطاب لإدخاله في المظروف البائس المعنوّن سلفاً لوالدها، ذلك المظروف بذبابة صريعة عليه تحت خاتم البريد، أحسست أنني لست أنا، وذلك في الحلم. بل انكشف لي أن هناك رجلاً آخر يعابثها، يمازحها على مرأى مني ومسمع. وليس بمقدوري أن أستعيد هذا المشهد كذاكرة لأنه لم يحدث بهذه الصورة المفعمة بالرمز. لقد كان شيئاً غبياً أن تحب إمرأة أياً من رجلين وهكذا كيفما اتفق. وبديهي أنني صرفت النظر عنها حرداً لتختار الآخر، ظناً مني أنه ما من آخر! اللعنة على تلك الأجزاء التي لا أحضرها لحظة انطفاء الوعي. وهاهي قادمة، يتطاول وراءها مارد النوم.

*

Comments

Popular posts from this blog

سؤال الضهبان

MovieGlobe: Japan's Version of Romeo and Juliet

الواقعية المفرطة Hyperreality