من حكاوي الصبا (4)، محمد ع ط الملك


Reminiscing
By Mohamed A. T. Elmalik
Drawing by Seif Laota

من حكاوي الصبا -4

حكا ية كُركُر


يُقرأ بضم الكافين ويُطلق على فحل النعاج في العامية السودانية المحلية.
Seif Laota

أطلقه الساخرون على أحد رجالات قريتنا.
فكانوا كمن يسخرون من أنفسهم قبل سخريتهم عليه ..
قصيرالقامة ، سريع الحركة ، كثير التفاخر ..
باختصار زول نفّاخ ..
قيل بعد وفاة ابنعوف صائد التماسيح الشهير ..
زادت التماسيحُ جورها وتعديها على الخلق ..
لجأ الناس (للفقرا) وكل من توسموا فيه صلاحاً ..
علهم يعينونهم بمعارفهم اللدنية فيحجرعنهم هذا البلاء ..
فشل العديدون ونجح واحد فقط كما أرّخت حكاوى القرية ..
فقيرٌ كلمسيد هكذا جاء لقبه ..
كان له مسيدٌ يجتمع إليه الصبية من كل القرى المجاورة لقراءة القرآن وحفظه ..
روا عنه أنه أرسل أحد تلامذته (الحيران) ليملأ له ابريق الوضوء من النهر ..
طال غياب الصبي فبعث الشيخُ بأخرين يستقصون أمره ..
عادوا بلا نتيجة وقالوا إنهم لم يعثروا حتى على الابريق الذي كان يحمله !
سألوا عنه حتى في البيوت المجاورة ..نهض الشيخٌ، كالممسوس، من جلسته وهو يتمتم :
البحر البحر ..
وأسرع مهرولاً نحو الشاطيء ومن خلفه تلاميذُه ..
عندما لامست قدماه رمال الشاطئ الدافئة بفضل انحسار شمس الظهيرة ..
صلى لله ركعتين ..

ثم جثا على ركبتيه مستقبلاً مياه النهر ..
وطلب من التلاميذ أن يجمعوا له الحصا ..
يقرأ شيئاً على كل حصاة ثم يتفل عليها ويرمي بها في النهر ..
المتجمعون من التلاميذ والأهالي خلف الشيخ ..
يتابعون بصمت مهيب ..
تلك الدوائر المتتابعة على صفحة الماء عندما تسقط عليها الحجارة ..
يمضي الوقتُ بطيئاً وفاتراً نحو المغيب والشيخُ يمارس طقوسه على ذلك النحو ..
ولولا ذلك اليقين الذي يملأ وجدانه وتفيض به عيونه ..
لتسرب اليأسُ إلى نفوس الحضور وصرفتهم رتابة المشهد ..
ومع خطوط شفق المغيب التي صبغت صفحة الماء بحمرة طوبية ..
بدأت تطفو رؤوسٌ سوداء تشق عباب النهر سابحة في اتجاههم ..
وعند بلوغها الشط كانت تتمدد على الرمل الى جوار الشيخ بهدوء وسكينة ..
لم يعرها الشيخُ أهتمامه وظل مواصلاً في عمله ..
التماسيح التي خرجت ووضعت رأسها وبسطت أذرعها على الرمل ..
بدت في عيون الحاضرين كمن يلتمس العفو عن جرم اقترفه ..
نهض الشيخُ واستقبل القبلة وكبّر لأداء صلاة المغرب ..
وحين أكمل صلاته وسلّم ..
خرج تمساح ضخم جاء يزحف ببطء وعنت واستوى عند ركبتي الشيخ وهو في جلوسه ..
فنهض من جلسته واعتلى ظهر التمساح وصلّى ركعتين ..
وما أن ترجل حتى بدأ التمساح يفرغ ما بجوفه ..
أخرج أول ما أخرج عدداً من الأسماك ..
ثم قذف بالابريق ..
فكان التالي، الذي استغرق بعض الوقت وكثير عناء، جثة الصبي ..
حمل الشيخ جثة الصبي بين راحتيه غادر المكان دون أن ينبث بكلمة ..
فإذا بالتماسيح التي ظلت بلا حراك طوال الوقت تتحرك مسرعة إلى النهر ..
إلا ذاك الأخير ..
تيبّس في مكانه كالحجر ..
قيل لنا إن الموقع أضحى شاهداً ومزارًا لمن يود التأكد من كرامة الرجل .
وقبل أن ترتخي أعصابنا المشدودة ينتقل بنا الراوي ..
لتلك السيرة التي طالما تندرت بها القرية ..
كُركُر ..
ذلك القصير الحركي ..
الذي لا يملك من الصبر ما يفرغ به كوب ماء في جوفه ..
فيقول الراوي:
في ليلة عيد الأضحى خطف التمساح أضحية جاره ..
فجاءه حانقاً على ذلك التمساح اللعين الذي مسّخ عليهم العيد ..
تعاطف الرجل وتحمس واعداً جاره بالإنتقام له من ذلك التمساح ..
فرح الجارُ لوعد الرجل فهو يعلم أن له بندقية..
يساهم بها في أفراح القرية ..
و يصطاد بها من حينٍ لآخر الكلاب العقورة وبعض القماري ..
انصرف الرجل وظل يراقب ظهور التمساح ..
وما إن رآه خارجا إلى البر حتى انطلق مسرعاً يبلغ الرجل ..
- البندق البندق - قالها له وهو يلهث ويبتلع ريقه و يشير بيديه، يتعجّله.
علّق الرجل بندقه على كتفه بعد أن أجرى عليها بعض الاختبارات المظهرية.
وحشا فوهتها بالبارود وبعض الخرق البالية ..
وصاحبه يرقب بتلهف وبعض خوف.
جاءا معاً إلى الشاطئ فكانت المفاجأة
تمساحان يرقدان متجاورين!
كُركُرٌ يسأل رفيقه بعفوية:
- ياتو فيهم الختف الخروف؟
فيرميه صاحبه بنظرة تشي بالعجب ويرد ساخراً:
- أ يوه، ما كنت أنا مباريهو في بطن الموية.
لم يعر كُركُرأو لم يسمع تعقيب صاحبه وجثا على الرمل يحبو في اتجاه التمساحين.
وما أن أصبح الهدف أو الهدفان أو اللاهدف عند مرمى نار بندقيته كما اعتقد،
أطلق رصاصة أحدثت دوياً هائلاً طارت له العصافير وتردد صداها مع حواف القيف.
انتفض أحد التمساحين محاولاً الهرب إلى الماء بينما الآخر يهمس له:
- نوم نومك دا بندق كُركُر.

Comments

  1. الناس دي تقرا وتقش خشما وتمرق سكتم بكتم !

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

سؤال الضهبان

MovieGlobe: Japan's Version of Romeo and Juliet

الواقعية المفرطة Hyperreality