من حكاوي الصبا (3)، محمد علي طه الملك
Art Work by Seif Laota
من حكاوي الصبا
رسوم سيف لعوتة
في حلتنا بعّاتي
شغَل بجدارة خانة المشترك بين ثقافات أهل السودان وإن اختلف الاسم ..
بل له وجود كثيف في ثقافات شعوب عديدة ..
كتبوا وروّجوا له بأفلام ومسلسلات ..
لعلها الثقافة الوحيدة التي أنكرت الاعتراف باختلاف ألواننا وسحناتنا ..
البعض يطلق عليه اسم ( البعاتي ) والبعض الآخر يسميه ( ترب البنية ) ..
لا أعرف للمسميين معنى ..
ولكن لفظ البعّاتي يعطيني الاحساس بلفظ العائد أي العائد من الموت ..
بينما يعطيني لفظ ترب البنية إحساس بشيء له علاقة بجينات الوراثة..
كانت أسناننا تصطك ببعضها وترتجف أطرافنا كمن بها حمى عندما اسمعهم يحكون..
الغريب لم يساورنا الشك مطلقا في صدق رواياتهم ..
ربما لو أنهم كانوا يروون مثل هذه الحكاوى للصغار وحدهم بمعزل عن مجالس الكبار..
لأمكن الظن بانهم يرغبون فقط تحذيرنا من السير ليلا ..
لم يبادر أي من الكبار على تكذيب الراوي ..
كنا من وقت لآخر نجيل ابصارنا بين وجوه الكبار ..
علنا نلتمس فيها ما يدل على هراء الحكاية..
فنعود لانفسنا ونحن أكثر يقينا عندما نرى الكبار بأبصارهم يلاحقون شفة الراوي ..
يومها كنت استمع لشخص طالما وثقت في صدقه وشجاعته ..
*يا جماعة الله ليلة امباح أنا راجع البيت لاقاني بعاتي !
سحبت ساقي بهدوء ودسستهما تحتي..
بينما اشرأبت أعناق الحضور وتجمعت وجوههم في اتجاه الرجل ..
الكل يعرف الرجل منذ ميلاده ..
من أبويه ، أين يقيم ، ماذا يعمل ، وكل السكك المؤدية الي بيته ..
*لامن وصلت مقابر ابو رابا يمين الله حمارتي مددت اضنيها وترست لامن قرّبت أدق الواطا !!
شفتها رفعت حنكا فوووق زي العايزه شيء يمر ..
شوووو مر شيء طووويل ملفلف بالأبيض وغاب في الضلمة ..
قبل أن استرد ما زرعه الخوف بين أطرافي ..
قال آخرٌ ما منا:
*صحي – انا ذاتي ليلة عرس ود الفكي قابلني المصيبة دا ..
امان الله طيّر من راسي زير نبيد ومطبوقين عرقي قنديل يرمن الجَمل ..
جاري قدامي يتلولح ويصرخ صراخ مكتوم كأنو في بطن برميل ..
*بسم الله ..
كهيعص- تمتم بها آخر وهو ينفض حلمة أذنه وواصل ..
ليه – ماكم طارين كلتوم بت مريسيلة ؟
جيرانا حيطة بالحيطة حلفو باليقطع روسينهم شافو بنيتا الغرقت في البحر ..
داخلا على البيت تناضم في أمها !!
يقاطع ود محمود وهو يلوي أطراف شاربه الكث ..
*يخوانا الناس الفاكين الخت بقولوا المسعلة دي كووولها تهيعات..
فيتصدى له آخر معترضا ..
*يازول ها ما تصدق ولاد المدارس ..
ديل حرّم ناس فلفسة ونضمي ساااكت..
كلام الله دا قالنا في جن والّ ما قال ؟
يتمتم آخر بصوت خفيض :
*سدق الله العزيم ..
*أسمعوا يا جماعة ..
وحات الله أنا القدامكم دا كنت راجع للحلة ..
قابلتني سيرة كاااربة دلوكتا تفك عصبة المشلول ..
نزلت عرضتا وبشرت زيييين واخدت لي كم شبال..
وأنا راجع لا وراء عتر لي شيء ماني طاريهو ..
قلت بسم الله يا ساتر كان ألقى روحي مدفوس فوق كوم رماد !!
*يا جماعة دي أرواح مظاليم !!
قالها شيخ يبدو عليه الوقار ظل صامتا طوال الجلسة ..
فعاجله احد الحضور متسائلا بعفوية :
*هناك ولّ هني ؟
رمقه الشيخ بنظرة مستنكرة وقبل أن يجيب ..
يسمع من يدخل عليهم ملقياً السلام فيرد ..
وعليكم السلام ورحمة الله ..
انتو ملمومين هنا وبي غادي البلد مقلوبة ؟*
يقولها القادم الجديد وقد كست تعابير وجهه الجدية ..
فيرد عليه متسائلا أكثر من شخص في آن واحد..
خير إن شاء الله يازول خبرك شنو؟*
لولاد رجعو من سوق البندر قالو سمعو في اللذاعة . *
ظباط الديش سوو انقلاب عِلّا فشل وكتلوهم ضما !!
بينهم وليييد من الحلة القدام ..
فيقول آخر :
لا حول ولا قوة الا بالله .*.
الزول ينكتل بلا يكتل ولا ينهب ولا يهبشلو عرض او أرض ؟
ما ظنيت تاني البلد دي يفضل لها زولا عليه القيمة !! صحي المظاليم كترو!!
لأول مرة أجد عقلي ينتبه لهذه العبارة وهو يختم شريط تلك الذكرى ..
فهل كان الرجل يقرأ عليّ طالع جيلي ؟
Show message history
Comments
Post a Comment