أيام، محمد حمد
Days
A Text in Arabic
by Mohamed Hamad
أيام
محمد حمد
لا أدري لماذا نكبر وينسرب العمر منا، كوعلٍ مشاغبٍ كنتُ. لا أُفارق أمي مُطلقًا حبًا مبهمًا لها وخوفًا من حصاني البلاستيكي المستعار ومن أشياء أخري لا أُدركها ولا تُدركني.
أينما ذهبتْ أتبعها مُمسِكاً إصبعها الأصغر بيدي كلها، وحينما تتعرقُ يدي وتنزلق أتشبث بثوبها مقاومًا الإفلات.
أسير قليلاً متعثراً ثم أبكي لتحملني؛ فتحملني، تضعني علي حِجرها وتقطّف أوراق (الخُدرة) من سُوقِها، تضحكُ مع جاراتها وتهش من وجهي القطة، وبقايا الأكل العالق حول فمي وأنا في كل هذا أسألُ، أثرثرُ وأثرثر، أصنع أصواتاً مزعجة ومكررة لا معني لها؛ لكن عند هطول الأمطار أطرق في صمتٍ عميق.
كنت صغيرًا جدًا لا أذكر كيف يمضي يومي وإلي أي المصائر أصير؛ فقط أصحو باكرًا بلسعات برودة فِراشي المبلول، أصوِّب خطوي نحو المطبخ، وفور وصولي تبادر أمي بتقليب الحليب من كوبٍ الي كوب ليبرد؛ بينما أُتابع حركة الحليب بلهفة.
ببطنٍ مرتوٍ ورأس فارغ نذهبُ الي برج الحمام الشاهق، تقف أمي بالإناء قريبًا منه فيتدافع ليتأكد بعيونه الدائرية الصغيرة من حضورها اليومي الأكيد.
تُناديه بحميميةِ الصباح الباكر ... حَمْ حَمْ حَمْ ... فيُسلّم بالهبوط؛ وكعادتها تُحط الإناء وتُدخِل يدها في قلبها وتنثر له حفنات من القمح كموزع اوركسترا لتعزف المناقير إيقاع الحياة الهديل، تُصبِّحُ عليهم حمامة حمامة تطمئن لهبوط الجمع ثُم تُحلِّق ساهمةً في مجرةِ الرضاء بين الأنجم الدائرية الصغيرة الملونة.
في صباحات الشتاء تنزعين رأفتك بي وهندامي، تصبين علي جسدي الماء البارد وأنا أتفلّت كحملٍ عنيد، في مساءات الشتاء تُغدقين علي حنينك والجرسلين، تغمسين قطعة القماش الصغيرة في الشاي الدافئ ثم تعصرينها وتمسحين بها علي جفنيّ إتقاءًا لوجع العيون.
الآن يا أمي صِرتُ كبيرًا جدًا ولا كوب إضافي لنُبرِّد فيه الأسئلة، والأحصنة صهلت بالبارود أهٍ يا أمي لقد كان خوفي مُحقاً والحمائم التي أطعمناها صارتْ جارحة؛ سرقتْ قمحنا بلؤمٍ شديد وحلَّقت بعيداً في البعيد.
مازلت يا أمي لا أدري كيف يمضي يومي والي أي المصائر أصير ...
Comments
Post a Comment