الجزء الثالث من فصل ١٤، طقس حار، الحسن بكري
في طريق عودتنا، عبرنا المشروع الزراعي من الغرب إلى الشرق. في ظاهر أبقوتة، صادفنا مفتشا زراعيا إنجليزيا قصير القامة، وحيدا، عالقا، يريد عبور إحدى الترع للحاق بفرسه التي سبحت إلى الضفة الأخرى. حمل المفتش الإنجليزي معه طبنجة، جديدة من الحجم الكبير. ما أن رآنا قادمين، ثلاثتنا، مرتدفين الناقة حتى، أصيب بفرح غامر. ناداني، مطبطبا على مسدسه:
- تعال هنا، يا عربي، تعال، سريع، سريع.
جذبت الرسن مميلا سيرنا في اتجاه الإنجليزي. ما أن وصلناه حتى زجرنا:
- فكنج بلودي فولز! كيف ثلاثة أنفار يركب جمل واحد؟
قلت:
عقب:
- إنت رحمة ما في. اليوم راح تشوف.
قال وهو ينظر إلى الناقة، ناحية عضوها التناسلي:
- نزّل جملة، سريع، سريع.
أنخت الناقة فبرّكتها. أشار بيده قائلا:
- إنت يشوف حصانة أبيض بعيد هناك؟
- أجل أراها.
- إنت لازم يروح يركب حصانة هنا.
تعللت متهرباً:
- جنابك، أنا لا أجيد ركوب الخيل.
- كيف؟ إنت عربي كذاب!
برر كذبي بكذبة بلقاء:
- إنت يركب جملة كبير، لازم يركب حصانة صغير!
أبوك وجدية قهقهتا بمرح. صاح فيهما:
- أسكت. ولا كلمة، ولا نفس!
أقلعتا عن القهقهة، لكنهما بدتا سعيدتين بالمأزق الذي أوقعني فيه المفتش. أبوك، ضاحكة، قالت للخواجة:
- معليش جنابك. هذا العربي سيذهب لإحضار الحصانة، لكنه لا يجيد الركوب!
قلت لها:
- أنا لا أجيد الركوب؟ يا للجاحدة!
المفتش في لهفته لاستعادة فرسه صاح:
- هس! روح أقطع ترعة سريع، سريع.
وأضاف بصلف، ممسكا بغليونه بيده اليمنى:
- إنت يروح سريع، سريع أو أنا يخبط راسك بكدوس دا سريع، سريع.
جدية صاحت مبتهجة:
- إسماعيل باشا!
قلت في نفسي إنها مقارنة صائبة وفوق ذلك فهي مفيدة. الإنجليزي صاح:
- إيش يعني إسمايلاشا؟ مرأة جاهل، ما في مخ.
أبوك وجدية قهقهتا من جديد فصاح بهما:
- أسكت. ولا كلمة، ولا نفس!
صرت مغتاظا غاية الغيظ. متمالكا نفسي، اقترحت عليه أن أحمله على كتفيّ عابرا به إلى الضفة الأخرى حيث فرسه. أمر معتاد أن يطلب إنجليزي من الأهالي حمله عبر برك مياه الأمطار في الخريف. راقت له الفكرة. جلست على حافة الترعة فامتطاني، متشبثاً، مؤخرته على عاتقي وفخذاه على كتفيّ، ومتزنراً بطبنجته الجديدة الضخمة. إنه قصير ونحيف. رائحة إسته فائحة، فالإنجليز كانوا لا يغسلون مؤخراتهم. تقدمت به خائضا الترعة. سمعت أبوك وجدية تقهقهان من جديد. صاح الانجليزي من فوقي مكررا زجرهما:
- أسكت. ولا كلمة، ولا نفس!
حر الظهيرة قائظ. الزراع في بيوتهم يغطون في نومة القيلولة. سمعت أبوك تصيح:
- المك نمر.
جدية صاحت:
- المك نمر.
بدت الخطة واضحة لنا كلنا من لحظة إن امتطاني الخواجة بمؤخرته المنتنة. في منتصف الترعة تماما، قد بلغ السيل الزبى، أطيحه في الماء وأمسكه من عنقه، أخنقه ثم أغمر منخريه وأظل مثبتا له تحت السطح فينتفض كفروج ذبيح. قليلا، قليلا تخفت حركته وتتقطع أنفاسه. أظل ممسكا به تحت الماء حتى يلقى حتفه. أنتزع الطبنجة من وسطه وأنادي:
- هيا ولندع هذا الاست يغتسل!
حالا تنتصب الناقة. أصعد، متسلقا رقبة الدابة، أتخذ مكاني بالحوية وننطلق في رحلتنا شرقا إلى توريلة.
--------------------
رواية طقس حار – الحسن بكري، الدار العربية للعلوم ناشرون – بيروت - 2011
اللوحة للفنان راني السماني
Comments
Post a Comment