ليموزين القيامة، منصور الصويم
منصور الصُويّم
1
أطل سائق الليموزين الباكستاني العجوز من النافذة، نفس الابتسامة الساخرة الماكرة، واللحية المدهونة بالأحمر. ابتسمت له بدوري، صرت زبونه. نعم نفس المشوار، عبر الطريق الدائري ثم شارع الملك فهد وإلى حي الناصرية يا صديق. يضحك العجوز المئوي عن أسنان متساقطة
وعينين غائبتين في البياض. غمز بعينه؛ تصدق.
وعينين غائبتين في البياض. غمز بعينه؛ تصدق.
2
بعد انزلاقنا من مخرج 24 تسلقت المركبة كوبري الدائري الجنوبي بسرعة غير معهودة لدى العجوز الباكستاني، لكنني قلت (خير برضو). انشغلت كالعادة بالجوال، دردشات واتس وفيس، إلى أن أحسست فجأة وكأن السيارة تطير طيرانا وصديقي العجوز المئوي يقهقه، ولحيته المدهونة بالأحمر تلامس وجهي في عصف هوائي كاسح. رفعت رأسي وأبصرت ما يشبه الثلج المنثور وهو يتطاير بكثافة من أمامنا ومن حولنا. تشبثت بالمقعد، ربطت بصعوبة حزام الأمان. العجوز ينظر إلى ويغمز بعينه البيضاء مرة أخرى. "يا صديق، وين رايح بينا". أسنانه المتهدمة تبين وهو يهمس. "القيامة، القيامة يا زول"! ويقهقه.
3
تشبثت بمقعدي أكثر حين بدا لي أن ما كان يظهر وكأنه نتف ثلج متطايرة قد تحول إلى شرارات من نار تنتشر بكثافة مرعبة من حولنا وفوقنا وتحتنا وتتسرب ما بين هيكل الليموزين لتشوي أجسادنا. سبقني بالقول الفصل قبل سؤاله وعينه تغمز. "الصراط". "شنو؟" "الآن، نعبر جسر الصراط". "صراط شنو؟". " صراط القيامة، إلى الجنة أو النار". قال جملته الأخيرة وداس بقوة أكبر على دواسة البنزين فبدت الليموزين وكأنها تحولت إلى كرة من لهب وهي تشق سبيل الصراط الحاد في قيامته؛ وهناك على اليسار واليمين، كأنهم الدمى يتساقط البشر، أو يطيرون أمامنا على سوق من أجنحة!
4
أغمضت عيني وأنا أحس باللهب ينقذف إلى داخل الليموزين، تأكدت: نحن الآن في طريقنا إلى جهنم الحمراء. استحقها، يا لكثرة ذنوبي. بكيت بمرارة ربما، حتى هزتني يد العجوز الباكستاني المعروقة. وصوته مشرق بالفرح وصلني "يا صديق، يا زول، الحور العين". "شنو؟". "الحور، حور الجنان.. الله أكبر"! وكنّ هناك بالفعل؛ كاللؤلؤ المكنون، يسبحن في بحور من الورد، شعورهن طليقة، وأجسادهن لدنة ندية، وبأفواهن ابتسامات برق تدعونا أن تعالوا.. قبل أن أفيق تماماً من الصدمة الحورية، فتح سائق الليموزين المئوي الباب وطار إليهن!
5
كان الليموزين يدور في فراغ انسحاقه، وأصوات مكابح المركبات تملأ الفضاء، والعجوز المئوي يهبني ابتسامة من دماء.
-------------
*من مجموعة "موقاي" – نصوص "السعودية"
published 2:38 pm ET 2014-10-15
"كان الليموزين يدور في فراغ انسحاقه، وأصوات مكابح المركبات تملأ الفضاء، والعجوز المئوي يهبني ابتسامة من دماء"
ReplyDeleteما هذه السينما يا منصور؟ سينما مكابح المركبات يدخلها الناس لكبح مركباتهم؟ أم هي سينما الابتسام من الدماء؟ وهل هذا رعب
أم فرح بمصائر ممكنة؟ نص جميل يسخر من الممكن وينّصبه ملك على المحال
ا بين نسان و جمل شداد وانتينوف كوكا
ReplyDeleteبقلم : بدرالدين حسن علي
أوشك مهرجان تورنتو السينمائي العالمي لهذا العام 201أن يفواتي لأسباب صحية ،لولا بعض الأصدقاءالذين لا أنكر فضلهم لا ظاوا يتابعون معي ما يفوتني من أحداث وأفلام ، خاصة ذلك الصديق الذي ظل ملازما ل " المهرجان " 26 ساعة في اليوم ، لا تفوته صغيرة أو كبيرة دون أن يحكيها لي أواخر الليل
منذ الدقائق الأولى لفيلم إفتتاح المهرجان " ديموليشن " -هدم - وهو بالفعل هدم للتااريخ الناصع لفن السينما ومهرجان مثل مهرجان تورنتو للسينما الذي يصنف ثالث أكبر مخرجان عالمي للسينما ، وهدم لأفلام مثل " كينج سبيتش، 12 عاما عبودية ن اميريكا بيوتي وغيرها ، .
يبدو أن السينما الأمريكية والأوربية تترنح بينما الإفريقية والسودانية تستيقظ / وهذا ما جعل فيلم " إيقاعات الأنتينوف " للمخرج السينمائي السوداني حجوج كوكا يفوز فيلمه كأفضل فيلم وثائقي في مهرجان الأقصر العالمي ومهرجان تورنتو السينمائي العالمي العام الماضي وأتيحت لي فرصة مشاهدته ثلاث نرات ، وكتبت عنه عدة مرات ، فهو فيلم يحكي معاناة المدنيين في ولايتي كردفان والنيل الأزرق بسبب الحرب الأهلية .
لقد شاهدت عدة أفلام سينمائية سودانية : كهرمان حسين شريف ، إنسان ، جمل ، حبل وأكسجين لشيخ المخرجين السينمائيين السودانيين ابراهيم شداد ، وشاد أفلام مثل أطفال الشمس ، بروق الحنين ، بياتريس لوممبا لوجدي كامل ، ولكن يظل " إيقاع الأنتينوف ط نوارة السينما السودانية